الرئيسية / الاسلام والحياة / شرح نهج البلاغة – ابن أبي الحديد – ج ١

شرح نهج البلاغة – ابن أبي الحديد – ج ١

وأضمرت منه لفظة لم أبح بها * إلى أن أرى إظهارها لي مطلقا فإن مت أو إن عشت فاذكر بشارتي * وأوجب بها حقا عليك محققا وكن لي في الأولاد والأهل حافظا * إذا ما اطمأن الجنب في مضجع البقا فكتب إليه الرضي جوابا عن ذلك قصيدة، أولها:
سننت لهذا الرمح غربا مذلقا * وأجريت في ذا الهندواني رونقا (1) وسومت ذا الطرف الجواد وإنما * شرعت لها نهجا فخب وأعنقا وهي قصيدة طويلة ثابتة في ديوانه، يعد فيها نفسه، ويعد الصابي أيضا ببلوغ آماله إن ساعد الدهر وتم المرام، وهذه الأبيات أنكرها الصابي لما شاعت، وقال: إني عملتها في الحسن علي بن عبد العزيز حاجب النعمان، كاتب الطائع، وما كان الامر كما ادعاه، ولكنه خاف على نفسه.
* * * وذكر أبو الحسن الصابي (2) وابنه غرس النعمة محمد في تاريخهما أن القادر بالله عقد مجلسا أحضر فيه الطاهر أبا أحمد الموسوي وابنه أبا القاسم المرتضى وجماعة من القضاة والشهود والفقهاء، وأبرز إليهم أبيات الرضي أبي الحسن التي أولها:
ما مقامي على الهوان وعندي * مقول صارم وأنف حمي (3) وإباء محلق بي عن الضيم * كما زاغ طائر وحشي أي عذر له إلى المجد إن * ذل غلام في غمده المشرفي
(1) ديوانه، 194.
(2) هو هلال بن المحسن بن إبراهيم الصابي، حفيد أبي إسحاق الصابي، ذكر صاحب كشف الظنون 290 أن ثابت بن قرة الصابي كتب تاريخا سنة 190 إلى سنة 363، وذيله ابن أخته هلال بن محسن الصابي، وانتهى إلى سنة 447، وذيله ولده غرس النعمة محمد بن هلال ولم يتم.
(3) ديوانه 546 (مطبعة نخبة الأخيار)
(٣٧)

أحمل الضيم في بلاد الأعادي (1) * وبمصر الخليفة العلوي من أبوه أبى ومولاه مولاي * إذا ضامني البعيد القصي لف عرقي بعرفة سيدا الناس * جميعا محمد وعلي وقال القادر للنقيب أبى أحمد: قل لولدك محمد: أي هو ان قد أقام عليه عندنا!
وأي ضيم لقى من جهتنا! وأي ذل أصابه في مملكتنا (2)! وما الذي يعمل معه صاحب مصر أكثر من هذا ما نظنه كان يكون لو حصل عنده الا واحدا من أبناء الطالبيين بمصر فقال النقيب أبو أحمد اما هذا الشعر فمما لم نسمعه منه ولا رأيناه بخطه ولا يبعد ان يكون بعض أعدائه نحله إياه وعزاه إليه فقال القادر إن كان كذلك فلتكتب الان محضرا يتضمن القدح في أنساب ولاه مصر ويكتب محمد خطه فيه فكتب محضرا بذلك شهد فيه جميع من حضر المجلس منهم النقيب أبو أحمد وابنه المرتضى وحمل المحضر إلى الرضى ليكتب خطه فيه حمله أبوه وأخوه فامتنع من سطر خطه وقال لا اكتب وأخاف دعاه صاحب مصر وأنكر الشعر وكتب خطه وأقسم فيه انه ليس بشعره وانه لا يعرفه فأجبره أبوه على أن يكتب خطه في المحضر فلم يفعل وقال أخاف دعاه المصريين وغيلتهم لي فإنهم معروفون بذلك فقال أبوه يا عجباه ا تخاف من بينك وبينه ستمائة فرسخ ولا تخاف من بينك وبينه مائه ذراع وحلف الا يكلمه وكذلك المرتضى فعلا ذلك تقيه وخوفا من القادر


(1) الديوان: ” ألبس الذل في ديار الأعادي “.
(2) ب: ” في ملكنا “.
(3) ب،: ” ضيعتنا “.
(4) ب،: ” فكتب محضر “، بالبناء للمجهول.
(6) ب،: ” يسطر “.

(٣٨)

وتسكينا له ولما انتهى الامر إلى القادر سكت على سوء أضمره وبعد ذلك بأيام صرفه عن النقابة وولاها محمد بن عمر النهر سايسي.
وقرات بخط محمد بن إدريس الحلي الفقيه الامامي قال حكى أبو حامد أحمد بن محمد الأسفراييني الفقيه الشافعي قال كنت يوما عند فخر الملك أبى غالب محمد بن خلف وزير بهاء الدولة وابنه سلطان الدولة فدخل عليه الرضى أبو الحسن فأعظمه وأجله ورفع من منزلته وخلى ما كان بيده من الرقاع و القصص واقبل عليه يحادثه إلى أن انصرف ثم دخل بعد ذلك المرتضى أبو القاسم رحمه الله فلم يعظمه ذلك التعظيم ولا أكرمه ذلك الاكرام وتشاغل عنه برقاع يقرؤها وتوقيعات يوقع بها فجلس قليلا وسأله أمرا فقضاه ثم انصرف.
قال أبو حامد فتقدمت إليه وقلت له أصلح الله الوزير الضرورة إلى ملازمة المجلس إلى أن تقوض الناس واحدا فواحدا، فلما لم يبق إلا غلمانه وحجابه، دعا بالطعام، فلما أكلنا وغسل يديه وانصرف عنه أكثر آ غلمانه، ولم يبق عنده غيري، قال لخادم: هات الكتابين اللذين دفعتهما إليك منذ أيام، وأمرتك أن تجعلهما في السفط الفلاني. فأحضرهما، فقال: هذا كتاب الرضي اتصل بي أنه قد ولد له ولد، فأنفذت إليه ألف دينار، وقلت له: هذه للقابلة، فقد جرت العادة أن يحمل الأصدقاء
(1) منسوب إلى نهر سايس، فوق واسط. ” ياقوت “.
(٣٩)

شاهد أيضاً

الشهيد الشجاع: البيان الأخير لمحمد عفيف

الشهيد الشجاع: البيان الأخير لمحمد عفيف 2025-11-18 صحيفة الأخبار – سيف دعنا قبل عام بالضبط، ...